م.م فاضل عباس صباح
كلية علوم الحاسوب وتكنولوجيا المعلومات
تشير البروباغندا (الدعاية) بمعناها الواسع إلى نشر المعلومات وتوجيه مجموعة مركزة من الوسائل بهدف التأثير على آراء أو سلوك أكبر عدد من الناس، وهي تتعارض مع الموضوعية في تقديم المعلومات، والبروباغندا في معنى بسيط هي تقديم معلومات ناقصة بهدف التأثير على المتلقي المستهدف، وبذلك يتم تقديم المعلومات الكاذبة عن الطريق الامتناع عن تقديم معلومات كاملة، بهدف التأثير على الاشخاص عاطفياً.
وبهذا فان البروباغندا propaganda نوع من التلاعب الاعلامي، حيث يتم استخدام وسائل الاعلام لنشر معلومات مشوهة ومغلوطة لتشكيل اعتقادات الناس والتأثير على قراراتهم، وقد تستخدم الدعاية في أغراض سياسية واعلامية وسوقية. وأخطر أنواع الدعاية هي التي لا تكشف القناع عن وجهها وتعيش متخفية متسترة لا يعرف الناس مصدرها ولا يشعرون بحقيقتها فتندس في زحمة الإعلام. وهذا النوع من الدعاية يلحق بالرأي العام أبلغ الضرر لأنه يكون مبنياً على حقائق ومعلومات غير صحيحة.(1) وتلعب الدعاية دوراً في اندلاع الحروب بين الدول، ويسمى هذا النوع من الدعاية بالدعاية المخربة subversive propaganda))، وكذلك تؤجج الصراعات الداخلية داخل المجتمع، وتدفع نحو الاقتتال الداخلي، وتجعل طبقات المجتمع واحدة ضد الأخرى وهو حال دعم كل من البانيا وبلغاريا ويوغسلافيا للمعارضة اليونانية فترة الحرب الباردة، أو عبر ما يسمى بالدعاية المشهرة والتي تقوم بنشر الاخبار المزيفة التي تؤدي الى العداء والعنف،(2) كما إن الدعاية تكون قوية وذات تأثير على الشعوب التي لم يكن لديها معرفة واسعة بجميع جوانب الحياة، فمثلاً تحمي الثقافة السياسية الأفراد من تصديق الادعاءات الكاذبة التي تخلفها الدول المعتدية الطامحة الى خيرات الشعوب، وتحد المعرفة الاقتصادية من قوة الدعاية السلبية المصممة فقط لترويج منتج معين.(3)
أصبحت البروباغندا -في عصر التكنولوجيا- أكثر انتشاراً وتأثيراً بسبب التطورات الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي ويمكن للتكنولوجيا أن تكون وسائل قوية لنشر الاخبار والمعلومات وتشكيل الرأي، وبإمكان الشخص أو المنظمة أن يقوم بنشر الدعاية والمعلومات غير الصحيحة بسرعة كبيرة وعلى نطاق واسع، ومن الممكن استخدام الذكاء الاصطناعي وتقنيات تحليل البيانات لتصميم رسائل والتلاعب والتغيير بالصوت والصورة لتستهدف مجموعة معينة من الاشخاص.
وقد برز ما صار يُعرف ب(الذباب الالكتروني) الذي يقوم باستخدام المعلومات المزيفة ونشرها على أوسع الحدود بهدف التأثير في الطرف الاخر، ويستخدم الذباب الالكتروني أساليب متنوعة تتراوح غالباً بين التغريد المتناغم، والتعليق المستفيض، واعداد نشرات مناهضة للرأي المخالف، اعتماداً على الذكاء الاصطناعي والروبوتات لفتح حسابات وهمية لأشخاص وهميين لا وجود لهم في الواقع، يخترعون قضية معينة وينشرون ويشاركون المنشورات حولها بصورة كبيرة حتى تنتشر بين أكثر عدد من المستخدمين لتتحول هدة القضية في النهاية الى قضية رأي عام.
وهناك الكثير من الجهات التي تريد توجيه الرأي العام لصالح خدمتها والتأثير عليهم من خلال السيطرة على وسائل الاعلام الاجتماعي والتكنولوجية والذي يمكن من الوصول الى أكبر فئة من المجتمع وإقناعه من خلال تزويده بمعلومات وبيانات سواء أكانت صحيحيه أو مفبركة ويكون ذلك عبر وسائل التواصل الاجتماعي لكون المستخدم نفسة مؤثر في العملية الاعلامية أو الاتصالية وخصوصاً أن هذه الوسائل تتيح إمكانية مشاركة المعلومات وتعديلها، وإن المتلقي يعتمد بشكل كبير على مواقع التواصل الاجتماعي لتلقي المعلومات وهو على دراية إن هذه المعلومات في الغالب مزيفة لكن توفر له حرية من مشاركة المعلومات والحصول على أكبر عدد من الإعجابات والمشاركات للمعلومة وهي في الحقيقة معلومات مظللة غير حقيقية.(4)
إن من أهم التحديات المهمة في عصر التكنولوجيا هو التمييز بين الدعاية والأخبار الحقيقيةـ وهنا يجب على الأفراد تطوير مهارات القراءة النقدية والتحليلية، وزيادة وعيهم حول الدعاية التكنولوجية من خلال الورش وكيفية تحليل وتقيم الاعلان والمحتوى الرقمي، واستخدام التكنولوجيا نفسها في مكافحة ومحاربة الاخبار المزيفة، وإضافة الى ذلك العمل على تكوين قوانين وتشريعات صارمة تحد من استخدام التكنولوجيا للدعاية الغير حقيقية والمظللة.
المصادر:
حسين عبد القادر، الرأي العام والدعاية وحرية الصحافة، مصر، وكالة الصحافة العربية للنشر، 2020،ص31-71.
مسيح الدين تسعديت، دور الدعاية في الحروب الجديدة لعصر المعلومات : دراسة اليات التأثير أساليب المكافحة، بحث منشور في مجلة مصداقية، مجلد 5، عدد1، 2023،ص50-51.
عبد الرزاق التميمي، الدعاية والشائعات والرأي العام رؤية معاصرة، عمان، دار اليازودي، 2015،ص124.
جهاد صحراوي، الفضاء السيبراني واشكالية الحرب النفسية للمعلومات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بحث منشور في مجلة الف ، العدد3، 2021،ص147-152